كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم الظاهر من الآية أن كلًا من الشمس والقمر يجري في ثخن فلكه ولا مانع منه عقلًا ودليل امتناع الخرق والالتئام وهو أنه لو كان الفلك قابلًا لذلك لكان قابلًا للحركة المستقيمة وهي محال عليه غير تام وعلى فرض تمامه إنما يتم في المحدد على أنه يجوز أن يحصل الخرق في الفلك من جهة بعض أجزائه على الاستدارة فلا مانع من أن يقال: الكواكب مطلقًا متحركة في أفلاكها حركة الحيتان في الماء ولا يبطل به علم الهيئة لأن حركاتها يلزم أن تكون متشابهة حول مراكز أفلاكها أي لا تسرع ولا تبطىء ولا تقف ولا ترجع ولا تنعطف، وقول السهروردي في المطارحات: لو كانت الأفلاك قابلة للخرق وقد برهن على كونها ذات حياة فعند حصول الخرق فيها وتبدد الأجزاء فإن لم تحس فليس جزؤها المنخرق له نسبة إلى الآخر بجامع إدراكي ولا خبر لها عن أجزائها وما سرى لنفسها قوة في بدنها جامعة لتلك الأجزاء فلا علاقة لنفسها مع بدنها، وقد قيل إنها ذات حياة وإن كانت تحس فلابد من التألم بتبديد الأجزاء فإنه شعور بالمنافي وكل شعور بالمنافي إما ألم أو موجب لألم وإذا كان كذا وكانت الكواكب تخرقها بجريها كانت في عذاب دائم، وسنبرهن على أن الأمور الدائمة غير الممكن الأشرف لا يتصور عليها لا يخفى أنه من الخطابيات بل مما هو أدون منها.
وزعم بعضهم أنه من البراهين القوية مما لا برهان عليه من الراهين الضعيفة، وادعى الإمام أنها كما تدل على جري الكوكب تدل على سكون الفلك، والحق أنها مجملة بالنسبة إلى السكون غير ظاهرة فيه، وإلى حركته وسكون الفلك بأسره ذهب بعض المسلمين ويحكي عن الشيخ الأكبر قدس سره، ويجوز أن يكون الفلك متحركًا والكوكب يتحرك فيه إما مخالفًا لجهة حركته أو موافقًا لها إما بحركة مساوية في السرعة والبطء لحركة الفلك أو مخالفة، ويجوز أيضًا أن يكون الكوكب مغروزًا في الفلك ساكنًا فيه كما هو عند أكثر الفلاسفة أو متحركًا على نفسه كما هو عند محققيهم والفكل بأسره متحركًا وهو الذي أوجبه الفلاسفة لما لا يسلم لهم ولا يتم عليه برهان منهم.
ويجوز أيضًا أن يكون الكوكب في جسم منفصل عن ثحن الفلك شبيه بحلقة قطره مساو لقطر الكوكب وهو الذي يتحرك به ويكون الفلك ساكنًا، ويجوز أيضًا أن يكون في ثخن الفلك خلاء يدور الكوكب فبه مع سكون الفلك أو حركته وليس في هذا قول بالخرق والالتئام بل فيه القول بالخلاء وهو عندنا وعند أكثر الفلاسفة جائزة خلافًا لأرسطا طاليس وأتباعه، ودليل الجواز أقوى من صخرة ملساء، والقول بأن الفلك بسيط فبساطته مانعة من أن يكون في ثخنه ذلك ليس بشيء فما ذكروه من الدليل على البساطة على ضعفه لا يتأتى إلا في المحدد دون سائر الأفلاك، وأيضًا متى جاز أن يكون الفلك مجوفًا مع بساطته فليجز ما ذكر معها ولا يكاد يتم لهم التقصي عن ذلك، وجاء في بعض الآثار أن الكواكب جميعها معلقة بسلاسل من نور تحت سماء الدنيا بأيدي ملائكة يجرونها حيث شاء الله تعالى، ولا يكاد يصح وإن كان الله عز وجل على كل شيء قديرًا، والذي عليه معظم الفلاسفة والهيئيين أن الحركة الخاصة بالكوكب الثابتة لفلكه أولًا وبالذات آخذة من المغرب إلى المشرق وهي الحركة على توالي البروج وتسمى الحركة الثانية والحركة البطيئة وهي ظاهرة في السيارات وفي القمر منها في غاية الظهور وفي الثواب خفية ولهذا لم يثبتها المتقدمون منهم، وغير الخاصة به الثابتة لفلكه ثانيًا وبالعرض آخذة من المشرق إلى المغرب وتسمى الحركة الأولى والحركة السريعة وهي بواسطة حركة المحدد وبها يكون الليل والنهار في سائر المعمورة، وأما في عرض تسعين ونحوه ففي الحركة الثانية فعندهم للكوكب حركتان مختلفتان جهة وبطأ ومثلوهما بحركة رحى إلى جهة سريعًا وحركة نملة عليها إلى خلاف تلك الجهة بطيئًا.
وذهب بعض الأوائل إلى أنه لا حركة في الأجرام العلوية من المغرب إلى المشرق بل حركاتها كلها من المشرق إلى المغرب لأنها أولى بهذه الأجرام لكونها أقل مخالفة ولأن غاية الحركة للجرم الأقصى وغاية السكون للأرض فيجب أن يكون ما هو أقرب إلى الأقصى أسرع مما هو أبعد ولأنه لو كان بعضها من المشرق وبعضها من المغرب يلزم أن يترحك الكوكب بحركتين مختلفتين جهة وذلك محال لأن الحركة إلى جهة تقتضي حصول المتحرك في الجهة المنتقل إليها فلو تحرك الجسم الواحد دفعة واحدة إلى جهتين لزم حصوله دفعة واحدة في مكانين وهو محال ولا فرق في ذلك بين أن تكون الحركتان طبيعيتين أو قسريتين أو إحداهما طبيعية والأخرى قسرية.
ولا يدفع هذا بما يشاهد من حركة النملة على الرحى إلى جهة حال حركة الرحي إلى خلافها لأنه مثال والمثال لا يقدح في البرهان ولأن القطع على مثل هذه الحركات جائز إما على الحركة الفلكية فمحال، وما استدل به على أن غير الحركة السريعة من المغرب إلى المشرق لا يدل عليه لجواز أن تكون من المشرق ويظن أنها من المغرب وبيانه أن المتحركين إلى جهة واحدة حركة دورية متى كان أحدهما أسرع من حركة الآخر فإنهما إذا تحركا إلى تلك الجهة رؤى الأبطأ منهما متخلفًا فيظن أنه متحرك إلى خلاف تلك الجهة لأنهما إذا اقترنا ثم تحركا في الجهة بما لهما من الحركة فسار السريع دورة الأقوسا يرى البطىء متخلفًا عن السريعة في الجهة المخالفة لجهة حركتهما بتلك القوس، وقالوا: يجب المصير إلى ذلك لما أن البرهان يقتضيه ولا يبطله شيء من الأعمال النجومية.
وقد أورد الإمام في الملخص ما ذكر في الاستدلال على محالية الحركتين المختلفتي الجهة للجسم الواحد إشكالًا على القائلين بهما ثم قال: ولقوة هذا الكلام أثبت بعضهم الحركة اليومية لكرة الأرض لا لكرة السماء وإن كان ذلك باطلًا وأورده في التفسير وسماه برهانًا قاطعًا وذهب فيه إلى ما ذهب إليه هذا البعض من أن الحركات كلها من المشرق إلى المغرب لَكِنها مختلفة سرعة وبطأ وفيما ذكروه نظر لأن الشبهتين الأوليين إقناعيتان والثالثة وإن كانت برهانية لَكِن فسادها أظهر من أن يخفى، وأما أن شيئًا من الأعمال النجومية لا يبطله فباطل لأن هذه الحركة الخاصة للكوكب أعني حركة القمر من المشرق إلى المغرب مثلًا دورة إلا قوسًا لا يجوز أن تكون على قطبي البروج لأنها توجد موازية لمعدل النهار ولا على قطبي المعدل وإلا لما زالت عن موازاته ولما انتظمت من القسي التي تتأخر فيها كل يوم دائرة عظيمة مقاطعة للمعدل كدائرة البروج من القسي التي تأخرت الشمس فيها بل انتظمت صغيرة موازية له اللهم إلا إذا كان الكوكب على المعدل مقدار ما يتمم بحركته دورة فإن المنتظمة حينئذ تكون نفس المعدل لَكِن هذا غير موجود في الكواكب التي نعرفها ولا على قطبين غير قطبيهما وإلا لكان يرى سميره فوق الأرض على دائرة مقاطعة للدوائر المتوازية ولم تكن دائرة نصف النهار تفصل الزمان الذي من حين يطلع إلى حين يغرب بنصفين لأن قطبي فلكه المائل لا يكون دائمًا على طائرة نصف النهار فلا تنفصل قسي مداراته الظاهرة بنصفين، ولأنه لو كان الأمر كما توهموا لكانت الشمس تصل إلى أوجها وحضيضها وبعديها الأوسطين بل إلى الشمال والجنوب فيجب أن تحصل جميع الأظلال اللائقة بكون الشمس في هذه المواضع في اليوم الواحد والوجود بخلافه.
وقول من قال يجوز أن يكون حركة الشمس في دائرة البروج إلى المغرب ظاهر الفساد لأنه لو كان كذلك لكان اليوم الواحد بليلته ينقص عن دور معدل النهار بقدر القوس التي قطعتها الشمس بالتقريب بخلاف ما هو الواقع لأنه يزيد على دور المعدل بذلك القدر ولكان يرى قطعها البروج على خلاف التوالي وليس كذلك لتأخرها عن الجزء الذي يتوسط معها من المعدل في كل يوم نحو المشرق، فإذا حركات الأفلاك الشاملة للأرض ثنتان حركة إلى التوالي وأخرى إلى خلافه، وأما حركات التداوير فخارجة عن القسمين لأن حركات أعاليها مخالفة لحركات أسافلها لا محالة لكونها غير شاملة للأرض، فإن كانت حركة الأعلى من المغرب إلى المشرق فحركة الأسفل بالعكس كما في المتحيرة، وإن كانت حركة الأعلى من المشرق إلى المغرب كانت حركة الأسفل بالعكس كما هو القمر.
هذا وقصارى ما نقول في هذا المقام: إن ما ذكره الفلاسفة في أمر الأفلاك الكلية والجزئية وكيفية حركاتها وأوضاعها أمر ممكن في نفسه ولا دليل على أنه هو الواقع لا غير، وقد ذهب إلى خلافه أهل لندن وغيرهم من أصحاب الأرصاد اليوم، وكذا أصحاب الأرصاد القلبية والمعارج المعنوية كالشيخ الأكبر قدس سره وقد أطال الكلام في ذلك في الفتوحات المكية.
وأما السلف الصالح فلم يصح عنهم تفصيل الكلام في ذلك لما أنه قليل الجدوى ووقفوا حيث صح الخبر وقالوا: إن اختلاف الحركات ونحوه بتقدير العزيز العليم وتشبثوا فيما صح وخفي سببه بأذيال التسليم، والذي أميل إليه أن السموات على طبق ما صحت به الأخبار النبوية في أمر الثخن وما بين كل سماء وسماء ولا أخرى عن دائرة هذا الميل، وأقول يجوز أن يكون ثخن كل سماء فلك لكل واحدة من السيارات على نحو الفلك الذي أثبته الفلاسفة لها وحركته الذاتية على نحو حركته عندهم وحركته العرضية بواسطة حركة سمائه إلى المغرب الحركة اليومية فتكون حركات السموات متساوية، وأن أبيت تحرك السماء بجميع ما فيها لإباء بعض الأخبار عنه مع عدم دليل قطعي يوجبه قلت: يجوز أن يكون هناك محرك في ثخن السماء أيضًا ويبقى ما يبقى منها ساكنًا بقدرة الله تعالى على سطحه الأعلى ملائكة يسبحون الليل والنهار لا يفترون.
وللفسلافة في تحقيق أن المحيط كيف يحرك المحاط به كلام تعقبه الإمام ثم قال: الصحيح أن المحرك للكل هو الله تعالى باختياره وإن ثبت على قانون قولهم كون الحاوي محركًا للمحوي فإنه يكون محركًا بقوة نفسه لا بالمماسة.
وأما الثوابت فيحتمل أن تكون في فلك فوق السموات السبع ويحتمل أن يكون في ثخن السماء السابعة فوق فلك زحل بل إذا قيل بأن جميع الكواكب الثوابت والسيارات في ثخن السماء الدنيا تتحرك على أفلام مماثلة للأفلاك التي أثبتها لها الفلاسفة ويكون لها حركتان على نحو ما يقولون لم يبعد، وفيه حفظ لظاهر قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح} وما ذكروه في علم الأجرام والأبعاد على اضطرابه لا يلزمنا تسليمه فلا يرد أنهم قالوا بعد الثوابت عن مركز الأرض خمسة وعشرون ألف وأربعمائة واثنا عشر ألفًا وثمانمائة وتسع وتسعون فرسخًا، وما ورد في الخبر من أن بين السماء والأرض خمسمائة عام وسمك السماء كذلك يقتضي أن يكون بين وجه الأرض والثوابت على هذا التقدير ألف عام وفراسخ مسيرة ذلك مع فراسخ نصف قطر الأرض وهي ألف ومائتان وثلاثة وسبعون تقريبًا على ما قيل دون ما ذكر بكثير.
ولا حاجة إلى أن يقال: العدد لا مفهوم له واختيار خمسمائة لما أن الخمة عدد دائر فيكون في ذلك رمز خفي إلى الاستدارة كما قيل في كل فلك، ويشير إلى صحة احتمال أن يكون الفلك في ثخن السماء ما أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: الشمس بمنزلة الساقية تجري في السماء في فلكها فإذا غربت جرت الليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها وكذلك القمر، والأخبار المرفوعة والموقوفة في أمر الكواكب والسموات والأرض كثيرة.
وقد ذكر الجلال السيوطي منها ما ذكر في رسالة ألفها في بيان الهيئة السنية، وإذا رصدتها رأيت أكثرها مائلًا عن دائرة بروج القبول، وفيها ما يشعر بأن للكوكب حركة قسرية نحو ما أخرجه ابن المنذر عن عكرمة ما طلعت الشمس حتى يوتر لها كما توتر القوس، ثم الظاهر أن يراد بالسباحة الحركة الذاتية ويجوز أن يراد بها الحركة العرضية بل قيل هذا أولى لأن تلك غير مشاهدة هذه بل عوام الناس لا يعرفونها، وقيل يجوز أن يراد بها ما يعم الحركتين، واستنبط بعضهم من نسبة السباحة إلى الكوكب أن ليس هناك حامل له يتحرك بحركته مطلقًا بل هو متحرك بنفسه في الملك تحرك السمكة في الماء إذ لا يقال للجالس في صندوق أو على جذع يجري في الماء إنه يسبح، واختار أنه يجري في مجرى قابل للخرق والالتئام كالماء ودون إثبات استحالة ذلك العروج إلى السماء السابعة، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال وهو سبحانه ولي التوفيق وعلى محور هدايته تدور كرة التحقيق، وهذه نبذة مما رأينا إيراده مناسبًا لهذا المقام، وسيأتي إن شاء الله تعالى نبذة أخرى مما يتعلق بكلام من الكلام.
{وما جَعَلْنَا لِبَشَرٍ} كائنًا من كان {مّن قَبْلِكَ الخلد} أي الخلود والبقاء في الدنيا لكونه مخالفًا للحكمة التكوينية والتشريعية، وقيل الخلد المكث الطويل ومنه قولهم للأثافي: خوالد، واستدل بذلك على عدم حياة الخضر عليه السلام، وفيه نظر {أَفَإِيْن مّتَّ} بمقتضى حكمتنا {فَهُمُ الخالدون} نزلت حين قالوا {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} [الطور: 30] والفاء الأولى لتعليق الجملة الشرطية بما قبلها والهمزة لإنكار مضمونها وهي في الحقيقة لإنكار جزائها أعني ما بعد الفاء الثانية.
وزعم يونس أن تلك الجملة مصب الإنكار والشرطية بما قبلها والهمزة لإنكار مضمونها وهي في الحقيقة لإنكار جزائها أعني ما بعد الفاء الثانية.
وزعم يونس أن تلك الجملة مصب الإنكار والشرط معترض بينهما وجوابه محذوف تدل عليه تلك الجملة وليس بذاك، ويتضمن إنكار ما ذكر إنكار ما هو مدار له وجودًا وعدمًا من شماتتهم بموته صلى الله عليه وسلم كأنه قيل أفأن مت فهم الخالدون حتى يشمتوا بموتك، وفي معنى ذلك قول الإمام الشافعي عليه الرحمة:
تمني رجال أن أموت وإن أمت ** فتلك سبيل لست فيها بأوحد

فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ** تزود لأخرى مثلها فكأن قد

وقول ذي الأصبع العدواني:
إذا ما الدهر جر على أناس ** كلا كله أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا ** سيلقى الشامتون كما لقينا

وذكر العلامة الطيبي ونقله صاحب الكشف بأدنى زيادة أن هذا رجوع إلى ما سيق له السورة الكرمية من حيث النبوة ليتخلص منه إلى تقرير مشرع آخر، وذلك لأنه تعالى لما أفحم القائلين باتخاذ الولد والمتخذين له سبحانه شركاء وبكتهم ذكر ما يدل على إفحامهم وهو قوله تعالى: {أَفإِيْن} الخ لأن الخصم إذا لم يبق له متشبث تمنى هلاك خصمه.
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت}.
برهان على ما أنكر من خلودهم وفيه تأكيد لقوله سبحانه: {وما جَعَلْنَا} [الأنبياء: 34] الخ، والموت عند الشيخ الأشعري كيفية وجودية تضاد الحياة، وعند الإسفرايني وعزي للأكثرين أنه عدم الحياة عما من شأنه الحياة بالفعل فيكون عدم تلك الحياة كما في العمى الطارىء على البصر لا مطلق العمى فلا يلزم كون عدم الحياة عن الجنين عند استعداده للحساة موتًا، وقيل عدم الحياة عما من شأنه الحياة مطلقًا فيلزم ذلك ولا ضير لقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] واستدل الأشعري على كونه وجوديًا بقوله تعالى: {الذى خَلَقَ الموت والحياة} [الملك: 2] فإن الخلق هو الإيجاد والإخراج من العدم وبأنه جائز والجائز لابد له من فاعل والعدم لا يفعل.
وأجيب عن الأول بأنه يجوز أن يكون بمعنى التقدير وهو أعم من الإيجاد ولو سلم كونه بمعنى الإيجاد فيجوز أن يراد بخلق الموت إيجاد أسبابه أو يقدر المضاف وهو غير عزيز في الكلام، وعن الأستاذ أن المراد بالموت الآخرة والحياة الدنيا لما روى عن ابن عباس تفسيرهما بذلك، وعن الثاني بأن الفاعل قد يريد العدم كما يريد الحياة فالفاعل يعدم الحياة كما يعدم البصر مثلًا.